دراسات
إسلامية
فضيلة
الشيخ الأستاذ وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي في ضوء مؤلفاته
(1/2)
بقلم : الدكتور سرفراز أحمد القاسمي
الهند لها حق الفخر والاعتزاز بالعديد من
الشخصيات الفذة التي لها دور بارز في ترويج اللغة العربية، منها شخصية وحيد الزمان
الكيرانوي، الذي يُعُرَفُ في أوساط المثقفين الهنود والعرب بفضل مؤلفاته القيمة
التي لايستغني عنها طلبة اللغة العربية وأساتذتها. فهي قد احتلت مكانةً مرموقةً في
مقررات المدارس الدينية والجامعات الأهلية والحكومية لتدريس اللغة العربية في شبة
القارة الهندية.
ولد الأستاذ وحيد الزمان الكيرانوي في عام
1349هـ = 1930م في بلدة «كيرانه» الكائنة في مدينة «مظفرنغر» بغرب «أترا براديش»
وتُعد إحدى البلدات التي قدمت تضحيات كبيرةً في سبيل تحرير البلاد من سيطرة الحكم
الاستعماري البريطاني، ونشأ وترعرع في أسرة علمية ودينية أنجبت سلسلةً من العلماء
والأدباء؛ فكانت والدته نجلة العالم المعروف مولانا عبد الحميد الجهنجهانوي وحفيدة
مولانا قطب الدين صاحب «مظاهرالحق» من ناحية الأم، أما والده مولانا مسيح الزمان
الكيرانوي فكان عالماً دينياً ذاع صيته ببلده، متميزًا بمكانته العلمية الفريدة في
مجال العلوم الدينية. توفي الأستاذ الكيرانوي في عام1415هـ = 1995م.
مؤلفات الأستاذ وحيد الزمان الكيرانوي:
(أ) القراءة
الواضحة:
إن الله سبحانه تعالى قد اصطفى اللغة
العربية وسيلةً لإبانة ما يطلبه الإنسان من الهداية، وهذا بدون شك تشريف لهذه
اللغة من بين سائر اللغات؛ فهي لسان عربي مبين لا يوجد فيها قصور في أداء المعاني.
وهذه اللغة قد حققت الأماني والضرورات لأجدادنا وآبائنا وحاجاتنا نحن أيضاً. إنما
القصور في تصوراتنا. فهناك أنواع من المثقفين المسلمين، فبعضهم مخلصون في ترويج
هذه اللغة؛ ولكنهم لم يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف بسبب القصور في طريقتهم للتدريس
أو عجزهم عن تأليف كتب سهلة، فهم بالرغم من نواياهم الخالصة والدينية لم يقدروا
على جلب المنافع؛ بل تسببوا في انطباع خاطئ بأن اللغة العربية صعبة جداً أو
معقدة، وبعضهم كانوا يستطيعون أن يخدموا
الإسلام بنشر هذه اللغة؛ ولكنهم متأثرون بهجمات فكرية من الأوروبيين؛ فهم بالرغم
من قدراتهم اللغوية على التعبير عن أي شيء موجود في خواطرهم باللغة العربية الفصحى
بدون أي صعوبة، ينادون بتغيير النحو والصرف، وهم لا يفكرون في أن التغيير في النحو
والصرف سيؤثر تأثيراً سلبياً على قابلية فهم القرآن الكريم، وهؤلاء الناس كان
بإمكانهم القضاء على سلامة هذه اللغة ببلاهة فكرتهم أو شناعة نواياهم لو ما وعد
الله بحفظها، فهي تتميز بأن الله حفظها بحفظه للقرآن ﴿إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَـحٰفِظُوْن﴾ (الحجر:9). هيهات، هؤلاء المثقفون لا يدركون أنه لا
سبيل لفهم القرآن حق الفهم إلا بفهم العربية ولا سلامة للقرآن إلا بسلامة العربية،
فالارتباط بينهما كبير جداً.
ومن أهمية هذه اللغة أنها تمتاز بكونها
مليئةً بخزانة فكرية، وأدبية ولغوية زاخرة بنفيس النصوص والمؤلفات التي أبدعتها
ولا تزال تبدعها العقلية العربية الإسلامية، ومنها بدون شك مؤلفات الأستاذ وحيد
الزمان الكيرانوي –
رحمه الله – الذي
يستحق أن يذكر في قائمة العلماء المخلصين الحريصين على نشر لغة القرآن الكريم،
وهذا هو الحرص الذي جعل العرب والمسلمين
يقفون صفاً واحداً يدافعون عن اللغة العربية ويبعدون عنها كل شائبة. فنرى أن
اللغويين في عصور الازدهار الإسلامي ألفوا المؤلفات في خدمة العربية مفتخرين بها،
فها هو أبو منصور الثعالبي النيسابوري يقول في مقدمة كتابه «فقه اللغة وسر
العربية» : «من أحبّ الله تعالى، أحبّ رسوله محمداً – صلى الله عليه وسلم – ومن أحب الرسول العربي، أحب العرب، ومن
أحب العرب، أحب العربية التي بها نزل أفضل الكتب، على أفضل العجم والعرب، ومن أحب
العربية، عُني بها، وثابر عليها، وصرف همته إليها».
ألفت في الهند كثير من الكتب لتدريس اللغة
العربية للمبتدئين نحو:
1- القراءة العربية للأستاذ عبد المجيد
الإصلاحي، مكتبة الإصلاح، بسرائي مير، أعظم جر، أترابراديش.
2- القراءة الراشدة للأستاذ أبي الحسن علي
الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكناؤ.
3- قصص النبيين للأطفال لأبي الحسن علي
الحسني الندوي، مؤسسة الصحافة والنشر، ندوة العلماء، لكناؤ.
4- أمثال آصف الحكيم (نقله إلى العربية
الأستاذ عبد الحميد الفراهي)، مكتبة الدائرة الحميدية، سرائ مير، أعظم جر،
أترابراديش.
5- دروس الأشياء والمحاورة العربية لمحبوب
الرحمن الأزهري، المكتبة الندوية، دار العلوم بندوة العلماء، لكناؤ.
6- مبادئ القراءة الرشيدة للأستاذ محمد
عبيد، مكتبه إسلامية، بلرياغنج أعظم جر، أترابراديش.
7- دروس اللغة العربية لغير الناطقين بها،
للدكتور ف. عبد الرحيم، أمانة المؤسسة الإسلاميّة، مدراس.
ولاشك أن كل كتاب من الكتب المذكورة أعلاه
مفيد لمن يريد أن يتعلم اللغة العربية، وخاصة لغير الناطقين بها، وقد نجح المؤلفون
لهذه الكتب القيمة في ترويج اللغة العربية في شبه القارة الهندية. ومن بين هذه
الكتب «القراءة الواضحة» (ثلاثة أجزاء) لمولانا وحيد الزمان الكيرانوي. ومن ميزات
هذا الكتاب أنه قد تم تأليفه بغاية من الدقة والمهارة. فقد نجح الأستاذ الكيرانوي
في فهم عقلية المبتدئ ومشكلاته، وفي تقديم حل مناسب لها. فهو مُلِمٌّ بنفسية المبتدئ
للغة العربية، وحاول إنماء قدرات المتعلمين تدريجياً، فهو في الدرس الأول للجزء
الأول لـ«القراءة الواضحة» يكتب:
هل هذا قلمٌ؟ نعم : هذا قلمٌ، ثم
يكتب:
هل هذا مرسامٌ؟ لا : هذا قلمٌ
هل تلك سبورة؟ لا : تلك منضدةٌ(2)
فهو لا يقول في الجملة الثانية، لا: هذا
ليس مرساماً أو ليس بمرسامٍ، وكذلك هو لا يقول في الجملة الثالثة، لا: تلك ليست
سبورة أو ليست بسبورةٍ، وهذا لأن طبيعة اللغة العربية مختلفة من اللغة الإنجليزية
أو الأردية، ففي هاتين اللغتين لا يجد المبتدئ أي صعوبة في الإجابة بالجملة
النافية في هذا المكان. أما اللغة العربية ففيها مشكلة الإجابة بالجملة النافية
هنا؛ لأن الدارس سيحتاج إلى استخدام «ليس» وهو من الأفعال الناقصة، ولها بحث نحوي
خاص. وذلك سيخلق تعقيداً للمبتدئ في هذه المرحلة.
وبما أن التدريج هو من أهم أصول التعليم
الحديثة، يناسب لي أن أسلط الضوء على هذه الناحية
للكتاب المذكور؛ فنرى أن المؤلف اكتفى في الدرس الأول بذكر أسماء الإشارة
للمفرد المذكر والمؤنث، وهي هذا، وهذه، وذلك وتلك(3)، ثم تقدم المؤلف خطوةً وتناول في الدرس
الثاني الضميرين فقط، وهما «أنا وأنتَ»(4)؛ وذلك لأن المؤلف يريد أن يحث الطالب على التكلم مع
صديقه منذ البداية، وتتحقق أمنيته بتعلم هذين الضميرين، وهو يشعر بأن اللغة
العربية سهلة، وهو سوف يكون قادراً على التعبير عن حاجاته البسيطة، فهو يدرس في
هذا الدرس سؤالاً مهماً، وهو «من أنتَ؟»، وإجابته أيضاً، وهو «أنا تلميذ» أو «أنا
رجلٌ» أو «أنا ولدٌ»(5). وإن المؤلف يتقدم مزيداً ويكتب في الدرس
الثالث جملاً بسيطةً مبنيةً على المبتدأ والخبر نحو «التلميذ واقف»، «المدرس
جالس»، «الولد صغير»(6). إن هذه الجمل بسيطة يفهمها الطالب بكل
سهولة؛ وهذا لأن المؤلف يكتفي هنا بتقديم المبتدأ والخبر بصفتهما مفردين ومذكرين
فقط، ولا يتناول المثنى ولا الجمع ولا المؤنث، ونرى في هذا الدرس أن المؤلف قد أتى
بالتمارين في شكل الأسئلة، التي تساعد الطالب في التساؤل عن المزيد من الأشياء
المتواجدة حوله، والجدير بالذكر أن الطالب يستطيع أن يرد على هذه الأسئلة في إطار التعبيرات التي سبق أن تعلّمها قبل هذا
التمرين، فيعرف المؤلف معرفة جيدة أن الطالب قد تطورت لغته إلى هذا المستوى، وذلك
بالمرور بثلاثة دروس فقط. فيتجلى ذكاء الكاتب في الدرس الثالث بالأسئلة التالية:
من واقفٌ؟ التلميذُ
واقفٌ
من جالسٌ؟ المدرسُ واقفٌ
هل التلميذُ جالسٌ؟ لا: التلميذُ واقفٌ
هل المدرسُ واقفٌ؟ لا: المدرسُ جالسٌ
كيف الكرسي؟ الكرسي جديدٌ
كيف القلمُ؟ القلمُ جيدٌ(7)
هنا يتعلم الطالب كيفية التساؤل والإجابة
بالسهولة، ولا تخرج إجابته عن دائرة معلوماته عن
التعبيرات في اللغة الجديدة.
ثم يتقدم المؤلف خطوةً ويأتي في الدرس
الرابع بالضمائر للمؤنث المخاطب والغائب، ويأتي بالمبتدأ المؤنث والخبر المؤنث؛
وهذا لأن المؤلف يدرك أن الطالب قد استساغ بحث المبتدأ المذكر والخبر المذكر، فهو
يكتب: أنتِ بنتٌ، أنتِ صغيرةٌ، النافذة
مفتوحةٌ، الحجرة صغيرةٌ(8) وهكذا دواليك. هذا مثال للتدريج الذي يظهر في «القراءة
الواضحة» كوضوح النهار.
إن المؤلف قد أبان الفرق في المعنى بين
الجملة التي تبدأ بالمبتدأ المعرف بالألف واللام، وبين الجملة التي يتأخر فيها
المبتدأ حيث يكون نكرةً، فقد تناول المؤلف هذا البحث بطريقة سهلة مثلاً هو يكتب:
في الفصل تلميذٌ التلميذُ في
الفصلِ
على
الكرسيِّ ولدٌ الولد
على الكرسي
على النافذة ستارةٌ الستارة على النافذة
للتلميذ كتابٌ الكتابُ للتلميذِ
للمدرسِ قلمٌ القلمُ للمدرسِ
للمسجد بابُ البابُ للمسجدِ(9)
فالطالب يجد الفرق بين جملة «في الفصل
تلميذ» وجملة «التلميذ في الفصل»، ومن الممكن أنه لا يفهم الفرق في المعنى بنفسه،
ولكنه يستطيع أن يفهم بنفسه الفرق بين الجملتين في الكتابة على الأقل. أما الفرق
في المعنى فهو يفهمه بمساعدة أستاذه. علماً بأن الجمل المكتوبة أعلاه مأخوذة من
الدرس الخامس للقراءة الواضحة (الجزء الأول)، وتظهر في هذا الدرس أيضاً سمة بارزة
لشخصية الأستاذ الفاضل وحيد الزمان الكيرانوي، وهي براعته في تكوين الأسئلة
الملائمة لنص الدرس، فنرى هذه الأسئلة:
أين التلميذُ؟ التلميذُ في الفصلِ
مَنْ في الفصلِ؟ في الفصل تلميذٌ
ماذا على النافذة؟ على النافذة ستارةٌ
أين الستارةُ؟ الستارةُ على النافذةِ
ماذا على المكتب؟ على المكتب كتاب وقلمٌ ودواةٌ
هل للولد كراسةٌ؟ نعم: للولد كراسةٌ
هل الكراسة للولد؟ نعم: الكراسة للولدِ(10)
إن هذه الأسئلة تساعد الطالب في إدراك
الفرق بين الجملتين، وفي المعرفة بمحل استخدامهما. مثلاً إذا سأله أحد، أين
التلميذ؟ يكون جوابه طبعاً «التلميذ في
الفصل أو(في أي مكان خاص) ولكن الواجب أن يأتي المبتدأ في الابتداء معرّفاً بالألف
واللام. وكذلك إذا سأله أحد، منْ في الفصل؟ يكون جوابه حتماً» في الفصل تلميذٌ أو
(أي واحد من بنى آدم).
والآن نتوجه إلى الدرس السادس فنرى فيه
مهارة الأستاذ الكيرانوي في الالتزام بأصول التدريج والترتيب في تأليف الكتاب
الدراسي للمبتدئين. فهو قد تناول في الدروس الخمسة المبتدأ والخبر حيث أتى
بالمبتدأ مفرداً غير مركب، أما الخبر فهو قد اُستخدِم مفرداً أو مركباً من الجار
والمجرور؛ ولكن لم يكتب أي جملة مكوّنة من المبتدأ و الخبر و المتعلق، فهذه
الأجزاء الثلاثة طلعت أول مرة في الدرس السادس حيث كتب:
الولدُ جالسٌ على الكرسي – هو مسرورٌ
البنت جالسة على السرير – هي مسرورة
التلميذ حاضر في الفصل – هو نشيطٌ
التلميذةُ حاضرةٌ في الفصل – هي نشيطةٌ(11)، (وهلم جراً)
إن الأستاذ الكيرانوي يخطو في كتابه إلى
الأمام بكل حيطة وحذر؛ فهو لا يترك أي مكان يجد الطالب فيه صعوبة، فهو لا يأتي بأي
تعبير يُوجد فيه بحث جديد إلا إذا أراد هو أن يعلمّ تلميذه. مثلاً هولا يريد أن
يبدأ بحث «أن المصدرية» في الدرس الثاني والأربعين للجزء الأول، مع أنه كانت له
حاجة لدى كتابة بعض الجمل لأن يلجأ إلى «أن المصدرية»؛ ولكنه اكتفى بذكر المصدر
دون «أن المصدرية» بالفعل المضارع، فكتب:
«قالت فاطمة للخادم: يجب عليك الوقوف
بالباب، وظيفتك حفظ البيت، ولا يجوز لك النوم. ولم يقل: يجب عليك أن تقف بالباب،
ووظيفتك أن تحفظ البيت، ولا يجوز لك أن تنام»(12).
وقد أدرك المؤلف أن الكتب المتواجدة في
عصره لا تحقق ما يطلبه الزمان؛ فوجد أن معظم الكتب لتعليم اللغة العربية مجردة عن
التدريبات. والحقيقة أن أي كتاب خاص بتعليم اللغة للمبتدئين لن يحقق متطلباتهم
بدون مراعاة أصول التعليم الحديثة، بما فيها تحلية الكتب بالتدريبات. وقد ثبت من
البحوث العلمية أنه لابد أن تكون نصوص كتاب10 بالمائة وتدريباته90 بالمائة. ولا بد
أن تكون التدريبات مشتملةً على أنواع مختلفة من الأسئلة يُقصد بها تنمية مؤهلات
المتعلمين عن طريق إبراز قدراتهم الكامنة. وحينما ننظر من هذه الناحية نجد أن
أغلبية الكتب للغة العربية في الهند تُقدِّم صورةً معاكسةً.
وهكذا قد حاول مؤلف «القراءة الواضحة»
استخدامَ المؤهلات الإبداعية للطلاب. فهو عن طريق الأسئلة في التمرينات يجعل
الطالب حريصاً على الإجابة بالعربية، وهكذا تتطور لغته بالسهولة. وقد اختار المؤلف
لغة الأسئلة لغة سهلة للغاية. فإذا تدرب الطالب كما هو المطلوب في الكتاب، يُتوقع
أنه لا يجد أي مشكلة في التساؤل عن أي شيء في حياته لسد ضروراته اليومية. والمؤلف
في التمرينات يدرّب الطلاب عن طريق المحادثة أيضاً، و تنمو بهذه المحادثة قدرة النطق، وقدرة إدراك ما يلزم من النحو
والصرف للمبتدئين. وهو يُحِبُّ أن لا يسأم الطالب بحوثاً نحويةً جافةً؛ ولكن
الطالب - عبر دراسة كتابه- يكسب ما يحتاج إليه من القواعد العربية. وقد اختار مؤلف
«القراءة الواضحة» في التمرينات طريقة:
1. ملء الفراغ
2. قراءة العبارة وترجمتها إلى الأردية.
3. استخدام الكلمات في جمل مفيدة
4. الأسئلة عن طريق المحادثة وأجوبتها
باللغة العربية.
5. إكمال الجمل بوضع كلمة مناسبة مكتوبة
بدون ترتيب.
ومن ميزات هذا الكتاب كما ذكرت سابقاً أن
المؤلف قد حاول أن يدرب المبتدئ أولاً بالمفرد إسماً وفعلاً، فهو لم يتناول بحث
المثنى في الإسم أو الفعل في الجزء الأول لـ«القراءة الواضحة» إلا في الدرس الخامس
والثلاثين وعنوانه «دكان الخضري» حيث استخدم المؤلف بعض الجمل المكونة من كلمات
الجمع مثلاً هو يقول:
«ساجد أمام دكان الخضر»، ثم يقول: «في
دكان الخضر بطاطس، جزر....،»(13).
والمعلوم أن الخضر جمع الخضرة. وفي نفس
الدرس قد تم استخدام كلمة «سلات» فيقول: «أمام الخضري ميزان، ووراءه سلات»، وسلات
جمع سلة، ثم جاء المؤلف بصفة خضر بكلمة المفرد المؤنث، فيكتب: «عندي خضر طازجة
ورخيصة»، وفي نفس الدرس يكتب «هات الخضر الطازجة» ثم يقول: «كل الخضر طازجة
وجيّدة»، ونحن لا نفهم كيف استخدم المؤلف هذه الكلمات الجمع بدون الإشارة إلى
البحث الخاص للجمع المكسر؟، فهولا يذكر في آخر كتابه أن هذا الدرس مشتمل على هذا
البحث، والمبتدئ يرتبك هنا؛ لأنه لم يمر عليه بحث الجمع المكسر لغير العاقل، وهو
لا يعرف أن الصفة أو خبر الجمع المكسر لغير العاقل يأتي مؤنثاً ومفرداً.
والكيرانوي رحمه الله كان على يقين أن
المبتدئ يجد الصعوبة في إدراك بحث المثنى أو الجمع في البداية. وهو كان يرى أن
المنهج العام لتعليم اللغة العربية للمبتدئين في شبه القارة الهندية هو أن الطالب
يدرس في البداية المبتدأ والخبر، وهو يدرس أن المبتدأ والخبر يكونان مرفوعين،
وتأتي على آخر حرفيها ضمةٌ، ولا ينقضي عليه يوم أو يومان حتى يدرس بحث المثنى، حيث
يدرس الطالب أن المثنى يكون بالألف واللام في حالة الرفع، وبالياء والنون في حالة
النصب والجر، فالآن يجد الدارس صعوبة في إدراك أن الألف والنون تشيران إلى «الضمة»
والياء والنون تدلان على «الفتحة». وتتفاقم الصعوبة للدارس الذي لما يقدر على
التمييز بين الضمة والفتحة والكسرة. والأمر لا ينتهي هنا، فهو يمر ببحث المضاف
والمضاف إليه؛ حيث لا يجد المبتدئ مشكلة إذا تعلم أن المضاف لا يقبل الألف واللام
أو التنوين؛ فلا يأتي عليه إلا ضمة واحدة أو فتحة واحدة أو كسرة واحدة. والطالب
قبل أن يستسيغ هذا البحث يتم تدريسه كيفية المثنى إذا كان مضافاً، فهو يدرس الآن
أن المثنى تسقط النون فيه إذا كان مضافاً، فهو في حالة الرفع يكون «كتابا حامد»
وفي حالة النصب والجر يكون «كتابَي حامد». هنا يرتبك الطالب ولا يفهم هذا البحث
بالسهولة، وهكذا يفقد همته، ويأتي إلى النتيجة أن اللغة العربية صعبة جداً،
والحقيقة أنها ليست صعبةً، إنما طريقة التدريس قد تجعلها صعبةً. وإن المبتدئ
يستطيع أن يفهم معنى «كتابُ حامدٍ» ويفهم كذلك تشكيل هذا التركيب الإضافي؛ وهذا
لأن بحث المفرد سهل له؛ ولكن المشكلة في عامة المؤلفات للغة العربية أن المؤلفين
بسبب أو لآخر لم يفهموا مشكلة المبتدئ، وحاولوا أن يدرّسوه بحث المثنى بدون أن
يجعلوه قادراً على فهم بحث المفرد
وأنواعه.
أما كتاب وحيد الزمان الكيرانوي، فهو
يستحق التقدير؛ لأنه قد نجح في حماية الطالب من أي نوع من الارتباكات. فهو لم
يستخدم في الجزء الأول لـ«القراءة الواضحة» أي كلمة من المثنى سواء بكونه مبتدأ أو
خبراً، موصوفاً أو صفة، مضافاً أو مضافاً إليه، وكذلك لم يستخدم أي صيغة المثنى أو
الجمع في الأفعال في الجزء الأول. وهو أيضاً لم يتناول الجمع المكسر أو الجمع
السالم، وهذا لغرض وقاية الطالب من الصعوبة، واستبقاء رغبته في تعلم هذه
اللغة. فحينما يذكر المؤلف عن أسماء
الإشارة، يكتفي بذكر هذا، وذلك، وهذه، وتلك. وعندما يتناول الضمائر، هو يذكر هو،
وهي، وأنتَ وأنتِ، وأنا فقط. ولدى تناول الدرس المحتوي على الفعل الماضي، هو يقدم
جملاً مكونةً من صيغ المفرد المذكر الغائب، والمفرد المؤنث الغائب، والمفرد المذكر
الحاضر، والمفرد المؤنث الحاضر و المفرد المتكلم. فهو في الدرس الخامس عشر من
الجزء الأول لكتابه يأتي بجمل مكونة من ذهبَ، وذهبتْ، وجلستَ، وجلستِ، جلستُ
وغيرها من الأفعال الماضية مع صيغ المفرد(14). وكذلك يكتفي بذكر صيغ المفرد من الفعل
المضارع في الدرس السادس عشر، الذي هو مكون من أمثلة جمل: راشد يذهبُ إلى الجنينة،
وسعاد تخرجُ إلى الفناء، إلى أين تذهبُ يا حامد؟، أنتِ يا سعاد تفرغين من القراءة،
أنا أجلس على حافة البركة(15)، وغيرها من الجمل المكونة من صيغ المفرد من الفعل
المضارع. وهكذا في أفعال الأمر والنهي.
ومن ميزات
الجزء الأول أن المؤلف لم يتناول فيه الفعل الثلاثي المزيد فيه، أو الرباعي المجرد
إلا بشق النفس عند الاضطرار، مثلاً هو يستخدم كلمات «تعالَ وتعالَيْ و تفضّلْ»(16). ويتجلى الاهتمام
بهذا في الدرس الثاني والثلاثين من الجزء الأول لـ«القراءة الواضحة» حيث يكتب
«أهبُّ مبكراً»(17)، ولا يقول استيقظ مبكراً. وهو
يكتب في نفس الدرس «آكل الغداء»، ولا يقول «أتغدى» وكذلك يكتب «آكل العشاء» بدل أن
يقول أتعشى. ويكتب في الدرس السادس والثلاثين: «حامد مسافر إلى قريته»(18) ولا يقول حامد
يسافر إلى قريته؛ لأن كلمة «يسافر» من باب المفاعلة، والمؤلف يريد تجنبه الآن.
وكذلك نجد أنه في الدرس الأربعين يكتب:
«القرآن كتاب مقدس، هو كلام الله، كلام
صادق محفوظ، هو قانون الإسلام ونظام الحياة. أنا مؤمن بالقرآن الكريم، أنا أقرأه
وأفهمه وأعمل به»(19).
لو كان المؤلف قد اعتنى بمجرد فصاحة
الفقرة لكتب: أنا أؤمن به بدل أن يقول «أنا مؤمن بالقرآن الكريم»، فالمقصود هنا
الاعتناء بمنهج التدريس الحديث دون التركيز على الفصاحة.
وقد سبق أن ذكرتُ أن طريقة الأسئلة للمؤلف
ممتعة للغاية. وبهذه الأسئلة يكون الطالب متمكناً من فهم العبارة أولاً ثم يكون
قادراً على تكوين الجمل من تلقاء نفسه دون أن يمل من البحث النحوي. ويتجلى أسلوب
المؤلف من الدرس الثامن عشر من الجزء الأول لـ«القراءة الواضحة» الذي عبارته فيما
يلي:
«حامد
يذهب إلى السوق صباحاً، ويفتح الدكان، ويجلس في الدكان إلى العشاء، ويرجع إلى
البيت ليلاً. ماجد يذهب إلى المسجد، ويذكر الله، ويعبده في الليل والنهار.
أنا أركب الدراجة، وأذهب إلى الجنينة
مساءً، أترك الدراجة عند الشجرة، وأسبح في البركة، وأفرح.
أنت تدخل الفصل الآن، وتفتح الكتاب، وتقرأ
الدرس، وتكتب الإملاء، وتسمع كلام الأستاذ.
سلمى تدخل المطبخ، وتغسل الإناء، وتطبخ
الطعام. سعاد تذهب إلى مدرسة البنات، وتقرأ الأردية والعربية والقرآن، والحديث،
وتكتب الدرس»(20).
*
* *
الهوامش:
(1) «ترجمان
دار العلوم» (مجلة شهرية عدد ممتاز عن وحيد الزمان الكيرانوي) تم إصدارها تحت
إشراف منظمة الأبناء القدماء دارالعلوم ديوبند، جوغا بائي، جامعة نغر نيو دلهي، ص:
26.
(2) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 5.
(3) المصدر
السابق ص 5.
(4) المصدر
السابق ص 5.
(5) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 6.
(6) المصدر
السابق، ص7.
(7) المصدر
السابق، ص7 .
(8) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 8.
(9) المصدر
السابق، ص9.
(10) المصدر
السابق، ص9.
(11) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 11.
(12) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 68.
(13) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 57.
(14) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 23.
(15) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 25.
(16) المصدر
السابق، ص 31و55.
(17) المصدر
السابق، ص 51.
(18) المصدر
السابق، ص 59.
(19) المصدر
السابق، ص 66.
(20) وحيد
الزمان الكيرانوي، القراءة الواضحة، الجزء الأول، كتب خانه حسينية، ديوبند، يوبي
(سنة الطباعة غير مذكورة) ص 29.
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربیع الثانی 1435هـ = فبرایر 2014م ، العدد : 4 ،
السنة : 38